تحديث آخر نسخة 1.8.37

تقييم الموضوع :
  • 0 أصوات - بمعدل 0
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الكون المضطرب
#1
إنه صباح جديد , و لكنه صباح جد مختلف , فهذا هو يومي الأول فى العمل بعد الزواج ممن احب و أهوى . فمنذ نحو أسبوعين و انا اتمتع بملذات الهوى فى احضان محبوبتي التى تعشقها كل جارحة من جوارحي. فلكم أحب التورط فيكي حبيبتي رغم انى كثيرا ما رددت مع نزار قباني كلماته " أخاف التورط فيكي " و لكننى الآن أدرك أن احلى ورطة يمكن أن يتورطها إنسان هى التورط بتملك من يحب و يهوى و مقسامته لملذات الهوى.
لازلت أشعر بحرارة عناقنا لحظة مغادرتي لمنزلنا صباح اليوم و لا زالت نظرات عينيها الوالهة تصيبني بالنشوة كلما تذكرتهما ، هاتيك العينين الساحرتين الممطرتين اللتي أفلح نزار حين قال فيهما " لا أطلب أبدا من ربي إلا شيئين : أن يحفظ هاتين العينين , و يزيد بأيامي يومين كي أكتب شعرا فى هاتين اللؤلؤتين".
استقبلنى مرؤسي فى عملي بالحبور و السرور فلطالما كنت دوما المهندس الذي يلتفون حوله و يستجيرون به من قسوة رئيسهم المقاول الذى يتعهد بتنفيذ ما أصدره له من تعليمات . فبوصفى مهندس تنفيذي بإحدى شركات المقاولات الكبرى فإن عملي يتطلب مراجعة تنفيذ مشروعاتنا الإنشائية على ارض الواقع مع ضمان الالتزام باداء الاعمال بصورتها الصحيحة و فى الوقت المحدد , و من أجل ذلك نقوم بتشغيل عدد من المقاولين يكونون مسؤولين عن توفير العمالة المدربة , هؤلاء المقاولين كثيرا ما يكونون غليظى الطباع و كثيرا ما يستجير منهم عمالهم الينا حتى ندعهم يواصلون العمل معنا بعد حدوث مشادات بينهم وبين رؤساؤهم المقاولين – و هى امور دائمة الحدوث- .
ما أن يبدأ العمل حتى يشرع العمال بالشدو و الغناء : غناءا مليئا بالحماسة و القوة كأنى بهم يستعينون به على تحمل مشاق اعمالهم البدنية المنهكة. و لقد طالما استمتعت بهذا الشدو حتى اننى كنت افتقده فى فترات اجازاتى , غير ان الأمر اليوم جد مختلف فانا تواق لانقضاء الوقت بسرعة حتى اركب البرق عائدا إلى محبوبتي. و قد تبينت من نظرة عابرة لاكوام الرمل و عبوات الاسمنت المفترض استخدامها لاداء اعمال اليوم أن أعمال اليوم التى تندرج فى إطار التشطيبات النهائية لأحد مشروعاتنا سوف تكون كنزهة سريعة مقارنة بحجم اعمالنا الاخرى , و هو ما بث فى قلبي بعض السلوى اذ ادركت انها سويعات قلائل و اعود لمناجاة محبوبتي و تنسم أريج الحب من خصلات شعرها المنسدل على كتفيها بملمس الحرير و بلون سكون الليل الذي طالما استكنت فيه مناجيا اطيافها كما تتراءى لعيوني مسائلا إياه أن يقبل مسرعا حتى نتدثر به معا.
اتخيل لحظة اللقاء بعد هذه السويعات التى لابد و ان تنقضي سريعا. فهيا أيتها الشمس انطلقى الى الطرف الاخر من العالم و تلكأى هناك كما يحلو لك التلكؤ , فما أحلى تلكؤ المحبين فى ظلمات الليل مسترشدين بنيران عواطفهم , لا يريدون لنورأى نيران أخرى أن تطغى عليها.

مالهذه الشمس لازالت تتلكأ عن ارتقاء كبد السماء و كأنها تعاندني , و لكن تبا لهذه المعاندة , و لماذا اشعر ان شدو العمال أصبح نغمات شاذة منفرة على خلاف العادة!فكل ما أرجوه هو شدو صوتها و تغريد الطيور فى ضحكاتها التى أراها بعين الخيال.

أغلق عيني و أصم أذنى متذكرا لقيانا يوم زفافنا : فنظراتها الخفراء قد أصابتنى فى مقتل طالما سعيت إليه حتى شعرت بصدق قول الشاعر:

كل السيوف قواطع إن جردت و حسام لحظك قاطع فى غمده
و لكن هل عاين احدكم يوما جرحا ممتعا , إنه هذا الجرح الذي تحدثه لحاظ خفر المحب إذا ما انفرجت حتى تلتهم كل الوجود بيني جفنيها و يتقلص العالم لأدنى مساحة يمكن أن يشغلها , هناك فى البؤرة الضيقة لعينيها : حيث تركزت كل آمالى و أحلامي بها و معها و لها.
كان يوم زفافنا حدثا مشهودا فى تاريخ الكون فقد استهلكت من الطاقة ما زاد من مقدار الاضطراب فى الكون بما قد يحدث اعصارا فى المحيط الهادي عما قريب . اوليست حركة جناح فراشة على سواحل المتوسط بإمكانها أن تتضخم حتى تصبح عاصفة مدمرة تجتاح سواحل الأطلنطي – و أسألوا علماء الطبيعة عن ذلك – أوليس كل عمل ننجزه يستهلك قدرا من الطاقة المنتظمة التى نستهلكها على صورة طعام ثم نضخها الى الكون على صورة غير منتظمة من الحرارة المفقودة و غيرها مما يزيد من اضطرابك ايها الكون المسكين بحيث لا نحيا فى سلام معك غلا حينما نستسلم لظلمات الموت بين يديك . فاى اضطراب احدثته فيك مشاعري المتأججة حين تبارت الناقلات العصبية بين انسجتى المختلفة فى سرعة نقل كل بادرة منها الى مراكز الوعي هناك فى مخي الذي كان يترصدها حتى اهمل باقى وظائفه فما صافح قريبا و لا رد ابتسامة صديق بل و لا ادرك اين يخطو و لا كيف يحتفي بها. و جل ما كان يسعى لادراكه هى حقيقة وجودها بجانبي. فهى الحياة , كل الحياة.

يا إلهى , ألا زالت الشمس متربعة فى كبد السماء , رغم احساسي ان دهورا قد انقضت منذ شرعت فى مراقبة العمال . و ما هذا الضجيج المريع الذي يحدثونه أثناء العمل , لقد تحول شدوهم فى أذنى إلى طنين لا يحتمل . كيف يقولون ان حياتنا هلى لمحة فى عمر الوجود ؟ فأى وجود بهذا الطول يمكن أن يحتمل ما دمت بعيدا عن محبوبتي و أى لحظات تلك التى نحياها بلا حب , بل كيف انقضت سنون أعوامي الأولى بلا حب يلهب كياني و يشعرني بمعنى وجودى. أى منحة عظيمة وهبنا إياها بارينا حين وهب آدم حواء الجميلة التى شاطرته وجوده , لا ليس وجوده فحسب , بل الوجود كله أضحى ملك يمينها حتى لم يستطع أن يرد لها رغبة , حتى لو عادت عليهما هذه الرغبة بالخسران المبين. فوجودك حواء قادر على أن يغشي أبصارنا -نحن الآدميين - عن كل ملذة فى الحياة لا تحتويكي.

آه يا ابنة حواء الرقيقة التى استأثرتي بكل ما املك بين جوانحى : تأبى الساعات التى ظننتها سويعات أن تمر , و لكننى إليك قادم , حتى لو بقت الشمس متلكئة ههنا فى مدارها و حتى لو توقف الزمن عن الدوران . اليك انا قادم يا حبيبتي العذبة كالطفولة كالأحلام كابتسام الوليد – كما صرح الشابي فى التغني بمحاسنك- و لكن................
يا الهي مالهؤلاء العمال يصرخون هكذا و لماذا يتدافعون نحوى و الهلع يملأ وجوههم ؟............و ما هذه الآلام الفظيعة التى تعتصرني : أهى آلام الحب ام آلام شيئا ما دهسنى فيما أنا شارد معك فى دروب الهوى على غير هدى من أرض الواقع .
يا الهي !, لماذ تنطفئين بهذه السرعة ايتها الشمس الباسمة ؟ و لماذا يتوقف صداح العمال ؟ و لماذا يبرد الكون بهذه السرعة على أنا الذي كنت منذ قليل أعاني حرارة مشاعري المتأججة بنيران الهوى ؟
حبيبتي إنى قادم فدثريني بدفء مشاعرك و لا تبارحيني وحيدا اعاني الظلمة و البرد . لا تتركيني أحيا بسلام مع الكون فما زلت أرغب فى ضح المزيد من الاضطراب فى ثناياه .أنا الذي طالما دأبت على مناشدة الظلام حتى يحل يحتوينا معا ,أجدنى الآن محاطا بظلمة مخيفة لا تحتويكي . أين ذهبت ؟ و فى أى بئر سقطت ؟ أما فتىء الحب يسقط المحبين فى تلكم الآبار المظلمة منذ تدله أبينا آدم فى حبك حواء؟ ام تراها لحظات من الغياب ازداد خلالها شوقا اليكي محبوبتي؟
KHAIRI ABDEL GHANI
الرد
شكر من طرف :


الردود في هذا الموضوع
الكون المضطرب - بواسطة don_quijote - 2008-01-24, 10:34 PM
Re: الكون المضطرب - بواسطة Pepo - 2008-01-24, 10:47 PM

التنقل السريع :


يقوم بقرائة الموضوع: بالاضافة الى ( 1 ) ضيف كريم